ما هي الغنوصية؟‎(mā hī al-ghnūṣīyah?)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

هل سبق لك أن تساءلت عن معتقدات دينية غامضة، ظهرت في بدايات المسيحية، وأثرت على الفكر الديني لقرون؟ هذا هو جوهر الغنوصية. دعنا نستكشف معًا هذا العالم الغامض من المعارف السرية.

ما هي الغنوصية؟

كلمة "غنوصية" مشتقة من الكلمة اليونانية "غنوسيس" التي تعني "المعرفة" أو "الفهم". لكنها ليست مجرد معرفة عادية. الغنوصية تتعلق بمعرفة روحية عميقة، معرفة مباشرة بالله، تختلف عن المعرفة العقلية البحتة. كان الغنوصيون يعتقدون أن خلاص الإنسان يكمن في الوصول إلى هذه المعرفة الروحية، وهي معرفة سرية تختلف عن العقائد المسيحية التقليدية.

أصول الغنوصية:

أصول الغنوصية غامضة ولا تزال محل نقاش بين الباحثين. لكن من الواضح أنها ظهرت في القرن الأول الميلادي في الإسكندرية، متأثرة باليهودية الهلنستية، والفلسفة اليونانية، وخاصة المذهب الأفلاطوني المتوسط، بالإضافة إلى أفكار من الديانات الأخرى. يعتقد بعض الباحثين أنها نشأت كحركة داخلية داخل المسيحية المبكرة، بينما يعتقد آخرون أنها انبثقت من تقاليد يهودية صوفية.

الغنوصية والكتاب المقدس:

لم تذكر كلمة "غنوصية" في الكتب المقدسة. وقد استخدم القديس إيرينيوس، في القرن الثاني الميلادي، مصطلح "غنوستيكوس" لوصف بعض الجماعات المسيحية التي اختلف معه في العقيدة. لكن هذا المصطلح كان يعني في الأصل "مثقف" أو "متعلم". تم استخدام كلمة "غنوصية" لأول مرة في القرن السابع عشر لوصف هذه الحركات.

مكتبة نجع حمادي:

اكتشف في عام 1945، مكتبة نجع حمادي في مصر، مجموعة هامة من النصوص الغنوصية التي كشفت عن تنوع كبير في الأفكار والاعتقادات الغنوصية. هذه النصوص ساعدت الباحثين على فهم الغنوصية بشكل أفضل، بعيدًا عن الصور النمطية التي رسمتها النصوص اللاهوتية المعادية للغنوصية.

تصنيفات الغنوصية:

تتضمن الغنوصية العديد من التيارات المختلفة، منها: السيثيونية، والفَلَنْطينيّة، والبَسِلِيديّة، والمارسيونية، وغيرها. وكانت هذه التيارات تختلف في تفاصيل عقائدها، لكنها تتفق جميعًا في أهمية المعرفة الروحية للخلاص.

الغنوصية اليوم:

انخفضت الغنوصية في القرون اللاحقة، لكن بعض أفكارها استمرت في التأثير على بعض الحركات الدينية والفكرية، حتى يومنا هذا. وتعد مكتبة نجع حمادي أحد أهم الاكتشافات التي أثرت على دراسة الغنوصية، وكشفت عن تنوعها وتعقيدها.

خلاصة:

تُعد الغنوصية ظاهرة دينية وفلسفية غنية ومعقدة. رغم اختلافاتها وتنوعها، تُظهر لنا أهمية البحث عن المعرفة الروحية، وضرورة التفكير النقدي قبل قبول أي عقيدة دينية. فالتاريخ يُخبرنا أن الحقيقة لا تُحصر في وجهة نظر واحدة. يجب علينا دائمًا السعي وراء الفهم العميق والمعرفة الصحيحة.